سورية : التهيئة للحرب الأهلية

يقف العالم مذهولاً لحجم الإجرام الذي يمارسه النظام البائس ضد المتظاهرين والمحتجين، ويقول كثير ممن يشاهد بعض مقاطع (الفيديو) المروِّعة: إن ما يجري هو شيء ضد العقل وخارج المعقول وبعيد كل البعد عما يتوقعه أي إنسان من أي بشر، إنه الشعور بالصدمة الذي يبعث على تفسير كل شيء من جديد …

الإنسان يأنس بالإنسان،لكنه أيضاً يخشاه أكثر مما يخشى أي كائن على الأرض لأنه يعرف ما يمكن أن يفعله حين يأمن العقوبة ويتجرد عن المعاني التي جعلت منه إنسانا. أبناء المجتمع لا يرتبط بعضهم ببعض ، ولا يأمن بعضهم بعضاً من خلال القانون وتدخل الشرطة، وإنما من خلال ما وحَّدتهم عليه العقيدة والتربية والروح الوطنية والتاريخ المشترك … إنهم يعرفون أن هناك عهوداً ومواثيق وعادات وتقاليد غير مكتوبة، تجعل عدوان الإنسان على أخيه الإنسان يتوقف عند حدود معنية ، فنحن نعرف أن شهامة العربي لا تسمح له بضرب الطفل والمرأة، ونعرف أنه لو انتصر على خصومه، فإنه لا يسمح لنفسه بأن يمثل بجثثهم ، كما أن مسألة الاعتداء على أعراض الخصوم خط أحمر يصعب جداً تجاوزه أو تجاهله، ونحن نعرف أن في إمكان الغدر أن يمزق كل الأواصر حين يصل إلى حد القتل بمن أُعطوا الأمان….. نحن نعرف كل هذا لكن نظام الأسد في سبيل البقاء في السلطة قد كسر كل الأعراف والتقاليد والمحرمات، كما يفعل وحش ذكي ويملك إمكانات تدمير هائلة ، أقول هذا الكلام بمناسبة ما يُعتقد أنه وفاة أول سورية تحت التعذيب في أقبية سجون النظام، وهي الشابة زينب الحصني بنت الثمانية عشر ربيعاً، هذه الفتاة التي توفي والدها وهي بنت ثلاث سنوات، وأمضت عمرها مع أسرتها في ضيقٍ من ذات اليد، هذه الفتاة كان لها أخ اسمه محمد، وكان هذا الشاب ناشطاً في تنظيم المظاهرات، كما أنه كان من أشجع الشباب في إسعاف الجرحى حيث إنه كان يظل في الشارع تحت الرصاص المنهمر إلى آخر لحظة حتى ينقذ حياة جريح من إخوانه، إن عصابات الأسد عرفت محمداً وأخذت تبحث عنه فتوارى عن الأنظار، وغادرت أسرته بيتها إلى بيت مستأجر في حي غير حيها، وفي ثاني بوم من أيام رمضان خرجت زينب لشراء بعض احتياجات أسرتها، فتم اختطافها من قبل من يسمىون برجال الأمن والشبيحة، وبعد خمسة أيام اتصلت فتاة وقالت : إن زينب عندهم، وإن في الإمكان إطلاق سراحها إذا سلَّم محمد نفسه، ولم يُسلِّم محمد نفسه لأن التجارب السابقة علمت الشعب السوري أن النظام لا عهد ولا مواثيق، وأن كل اتفاق معه يفضي إلى أسوأ نتائج متخيلة . في الثالث عشر من سبتمبر (أيلول) فُجعت الأسرة باستشهاد ابنها خلال عملية عسكرية في بابا عمرو، وحين ذهبت للمستشفى لتسلُّم جثمانه سمعوا بالمصادفة أن في ثلاجة المستشفى فتاة لم يتعرف أحد عليها، وذهبت الأم المنكوبة إلى الثلاجة وإذا بزينب وقد قطع رأسها ويداها من الكتف وتم صب مادة كيميائية على جسدها، فاحترق معظم جلدها !.

قصة زينب نموذج لما يمكن أن تفعله الوحوش حين تملك القوة والسلطة.. وتفيد بعض المعلومات أن هناك 18 فتاة مفقودة ، وعدد الأطفال الذين قتلوا بلغ 212 طفلاً ، وقريب من هذا العدد من النساء . وفي جسر الشغور تم اغتصاب ثلاثين فتاة أخذن رهائن عن إخوتهن الناشطين في الثورة، وحين سلَّم إخوانهن أنفسهم من أجل إطلاقهن تم ذبحهم أمام معمل السكر كما تذبح النعاج،

إن النظام البائس لن يستطيع الاستمرار في القتل على هذه الوتيرة، وهو لا يستطيع إجراء إصلاحات حقيقية، ولهذا فإنه رفض مبادرة الجامعة العربية ـ مع محاباتها له ـ ورفض السماح للمنظمات الحقوقية بدخول البلد ، لأن كل ذلك يُسقط النظام، ويفضحه. لم يبق في نظري أمام النظام للبقاء سوى طريق واحد هو إدخال البلاد في حرب أهلية، يغيب فيها صوت المطالبة بالإصلاح ، ويتراجع زخم التظاهر ـ لأنه يصبح خطيرا جداً ـ ويحتكم الجميع إلى قوة السلاح ، ويلتفت العالم إلى شؤون أخرى، ويتم ترك السوريين وشأنهم، والنظام يمهد لهذا من خلال القتل والتعذيب وإهانة الناس ونهب الممتلكات وانتهاك الأعراض، وكل ما أخشاه هو أن ينجح في هذا، وسوف يساعده على ذلك شباب لا يستطيعون ضبط أعصابهم والصبر على جراحات  وعذابات الثورة، كما سيساعده عليه عالم يبحث عن مصالحه وإقليم لا يتحمل مسؤولياته تجاه بلد إذا غرق فقد يُغرق المنطقة بأكملها .

إذا حملنا السلاح ، فإننا نكون قد ساعدنا النظام على الفوز ببغيته، ونكون قد شوَّهنا ثورة هي من أجمل ثورات العصر الحديث، وكلي أمل أن يدرك حكماء الثوار هذا المعنى قبل فوات الأوان .