مخزن لبن

فإن أجمل المسامرات تلك التي تُثري عقولنا بالأفكار النيرة والرؤى العظيمة ، وقد قدِّر لي أن أحضر واحدة من أجمل تلك المسامرات حيث التقى لفيف من المثقفين في بيت أحدهم ، وتم طرح السؤال التالي :

ما اعتقاد كل واحد منكم حول الخطوة الأولى التي يجب أن تخطوها الأمة على طريق النهضة ؟ وما المجال الأهم الذي ينبغي أن تنطلق فيه شرارة الإقلاع ؟

وكان  من الأجوبة الجميلة ما ذكره أحد الأصدقاء حين أشار إلى أن (التربية ) هي الشيء الأهم الذي ينبغي أن نراهن عليه في مسألة التقدم ، وذكر الصديق أن هذا هو رأي أفلاطون والفارابي وغيرهما من الفلاسفة ، وقال آخر: وهذا رأي الشيخ محمد عبده أيضاً ، وقال ثالث : هذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة … قال أحد المسامرين : لا يستطيع أحد أن يهوِّن من شأن التربية وشأن المؤسسات التعليمية أيضاً في مسيرة النهضة ، لكن سأطرح عليكم سؤالاً مهماً إذا اتفقنا على أن تربية الأجيال الجديدة تربية إسلامية ممتازة هي ما ينبغي تركيز الجهود فيه ، وكان رأينا فعلاً صائباً ومنقذاً ، فكيف يمكن زرع هذه الفكرة في عقول مئات الملايين ، وكيف لنا أن نثير حماستهم للعمل بها ؟ هنا سكت الجميع لأنهم يعرفون مدى ثقل هذه المهمة وصعوبة تنفيذها … هنا قال واحد من المسامرين : إن المبادرات الفردية ستظل مهمة ، لكنها لا تغيِّر حياة شعوب بأكملها مهما كثرت واتسعت نطاقها ، ولا بد من حدوث تقدم واضح على صعيد النظم السياسية والاجتماعية والتربوية والتعليمية والاقتصادية … وذلك لأن النُظُم تشكِّل البيئة التي يتنفس فيها الجميع ، وقال الرجل : ليس في العالم دولة واحدة حققت نهضة عظيمة في ظل نظم جامدة أو متخلفة وأضاف قائلاً : إن صلاح الأفراد يشبه وجود عدد كبير من اللبنات الجيدة تم وضعها في مخزن واسع ، فكلما أن وجودها من غير مخطط هندسي ومن دون ( ملاط ) يربطها ببعضها  ، فإنها لا تشكل منزلاً ، كذلك صلاح الأفراد من غير نظم جيدة لا يمكنه إحداث نهضة شاملة لدى أي أمة أو دولة . وأضاف آخر : إن النظم هي التي تحوِّل الأفراد إلى مجتمعات ، فإذا كانت متخلفة ، صار لدينا مجتمعات متخلفة . وعزز هذه الرؤية شخص آخر حين قال : إذا كان المثقف عاجزاً عن المساهمة في تطوير أي نظام فأضعف الإيمان أن يمتلك رؤية منطقية وصحيحة للتغيير ، فسطوع الحقيقة يتيح للناس الاستفادة منها، ولو بعد حين .

هذه بعض آراء الأصدقاء في مسامرتهم تلك ، فما رأيكم أنتم دام فضلكم .. ؟

وإلى أن ألقاكم في رسالة قادمة أستودعكم الله

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

محبكم د.عبد الكريم بكار

في 13  / 3 / 1431هـ