صناعة التفاؤل

فإنه لا يكاد يجتمع جماعة من أهل الخير والغيرة حتى ينقسموا إلى فريقين : فريق متفائل يتحدث عن انتشار الحجاب وكثرة رواد المساجد ، وفريق متشائم يتحدث عن أمورسلبية كثيرة ، وينفضُّ القوم على انقسام كما بدأوا ، والحقيقة أن كلاً منهم على صواب ، وما ذلك إلا لأن كل فريق يتحدث عن جانب من الواقع وعن الأشياء التي رآهاوإن من طبائع التكوين الحضاري أنه يسمح بتساوق التقدم في بعض المجالات والتخلف في مجالات أخرى ، لكن علينا دائماً أن نبحث عن شيء عملي يحول بيننا وبين القاعدين المتفرجين ؛إن التشاؤم ليس من الأمور المستحبة ، لأنه يجعل  صاحبه يشعر بالمرارة ، ويدفعه في اتجاه الاستسلام للمشكلات ، والإكثار من الشكوى دون الحصول على أي شيء. أما التفاؤل فإنه قد كان من دأب نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتدل أحاديث كثيرة على أنه صلى الله عليه وسلم ـ كان يغتنم كل مؤشر يتيح شيئاً من التفاؤل حتى يشرحه لأصحابه، (وأنا في أثره وعلى هديه ، تفديه نفسي.)إن أعظم ما في التفاؤل أنه يشير دائماً إلى وجود فرصة لعمل شيء أفضل وأجود ، وإذا تأملنا في أحوال المتفائلين ، فإننا نجد أنهم ينقسمون أيضاً إلى فريقين: فريق يتحدث عن التفاؤل ، ويطرب لسماع كل ما يشير إليه ، وفريق يصنع التفاؤل ، أي يسهم في تقدم الحياة العامة وازدهار معاني  النبل والفضيلة ، وكما أننا نجد في صناعة الأشياء من يصنع الإبر والكؤوس والأقلام …. ويصنع السفن والطائرات كذلك تجد الأبطال العظام الذين يبثون روح التفاؤل في جيل بأكمله ، وتجد من يساعد ولده على أن يكون متفائلاً.ونحن اليوم في حاجة إلى الرواد الكبار الذين  يجعلون من الإنجازات الملموسة منابع ثَرَّة للشعور بأننا في خير وإلى خير، كما أننا في حاجة أيضاً إلى من ينشر روح التفاؤل من خلال أصغر الأعمال الإيجابية ، حيث لا يأتي بالأمل إلا العمل . أما المتفرجون على ما يرون والذين يفرحون بانتصارات لم يخوضوا معاركها ، فإن عليهم أن يعيدوا حساباتهم ، لعلهم يعثرون على وسيلة تنقلهم من دائرة البطالة إلى دائرة الفعل.

Â

وإلى أن ألقاكم في رسالة قادمة أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

Â

محبكم د.عبد الكريم بكار

                                                                              في  18 / 11 / 1430