سورية : عظمة الأمهات

حدثني أحد الأصدقاء قائلاً:

صعدت زوجتي إلى بيت جيراننا الذين يسكنون معنا في عمارة واحدة في دمشق وأخذت تتحدث مع جارتها في بعض الشؤون الخاصة بالسكن، يقول الصديق: إن تلك الأسرة عادية، وهي ليست من أعداء النظام، بل إنها من المستفيدين منه…

وانتقل الحديث بين المرأتين من موضوع إلى موضوع- كما هي العادة في مسامرات النساء – وإذا بالمرأة تقول لزوجتي: إن ابني مضى منذ مده لخدمة العلم الإجبارية، وهناك احتمال في أن يدفعوا به مع من يدفعوهم إلى تطويق المدن وإطلاق النار على المتظاهرين، وكنت قد أوصيته، وشدَّدت عليه في الوصية بأنه إذا أمِر بإطلاق النار على المتظاهرين أن يرفض ذلك. قال يا أمي إذا رفضت إطلاق النار أطلقوا عليّ النار من الخلف، وقتلوني، فقلت له: لا تطلق النار على أحد ولو قتلوك، فلأن تلقى الله مقتولاً ظلماً وعدواناً خير لك يا بني من أن تلقى الله وفي عنقك دم مسلم بريء!.

أم أخرى قتل النظام زوجها في عام 1982 في عهد الأسد الأب قالت لأولادها الخمسة: يا بني اخرجواإلى التظاهر مهما كانت العواقب، ولا تتوقفوا، فإما النصر على النظام الظالم، وإما الشهادة، وخرج أبناؤها، وفي أحد الأيام جاء الشباب في البلدة بأحد أبنائها وقد قتله واحد من الأمن، فلم تنزل لها دمعة، وإنما قامت – كما تقول هي- وصلت ركعتي شكر لله أن رزق ابنَها الشهادة مع أنه ترك خلفه تسعة من الأبناء والبنات! نعم إنها اليوم أم الشهيد وكفى!.

أم أخرى يقول لها ابنها – ابن السادسة عشرة – يا أمي أنا أخرج إلى التظاهر، وقد يرزقني الله الشهادة، ولكن كيف أكون شهيداً وأنا لا أصلي وهل هناك شهيدا لا يصلي؟ قالت له أمه: يا بني حافظ على الصلاة، وتظاهر والله يحميك!

الثورة المباركة على الظلم والطغيان أنضجت الوعي وغسلت القلوب وأطلقت في الشعب السوري المصا بر المرابط كلَّ معاني العظمة والتضحية والعطاء غير المشروط.

آباء وأمهات يقدمون أبناءهم هدايا سخية للوطن الجريح الأسير معلنين للملأ أن الجود بالنفس وبالولد هو غاية الجود، وأنهم أجود الناس

بارك الله في الأمهات والآباء والشهداء، وبارك على الشعب الوفي الأبي، وعجّل له بنصر عزيز و فرج قريب.

د.عبد الكريم بكار

في 28/8/1432