الثورة السورية والمهمات الجسام

مضى على الثورة السورية أكثر من عشرين شهراً وفي كل ساعة بل في كل دقيقة يُقتل مواطن أو يجرح مجاهد، أو يهدم منزل، أو يُنهب متجر …

وقد تراكم بسبب الفظائع التي يرتكبها النظام كم هائل من الأعباء والمسؤوليات الجسام التي تنوء بها دول عظمى، ومن ثم كان لا بد للقائمين على الثورة عامة والائتلاف الوطني خاص بلورة رؤية شاملة للتعامل مع التركة الثقيلة التي سيتركها خلفه نظام الطغيان والفساد.

وينبغي أن أشير هنا إلى أن الشعب السوري يملك إمكانات ثقافية واقتصادية وتنظيمية لا يستهان بها؛ ولاسيما إذا تذكرنا أن تعداد السوريين في المهجر لا يقل في حال من الأحوال عن عشرين مليون نسمة، وكثير من هؤلاء يملكون المعرفة والمال والحماسة لمساعدة أهليهم ومواطنيهم في محنتهم القاسية، لكن مع كل هذا فإن سورية تظل في أمس الحاجة إلى مساعدة أشقائها وجيرانها بل العالم أجمع، فالحمل أكبر بكثيرمن أن يحمله شعب بمفرده، ولعل من أهم ما يجب القيام به في مواجهة هذه المأساة الآتي :

1-على السوريين أن يدركوا أنهم في حاجة من أجل إعادة إعمار البلد إلى أن يستخدموا كل مخزونهم الفكري والأخلاقي والثقافي، ويتخذوا منه محوراً لما يمكن أن يقدمه لهم الأشقاء والأصدقاء من عون ومساعدة،والحقيقة أن معظم دول العالم تمر بأزمة اقتصادية خانقة، ولهذا فإن عليهم أن يعولوا على معونة الله ـ تعالى ـ أولاً ثم على ما يمكن أن يقدموه السوريون في أنحاء الأرض، وهو ليس بالقليل .

2ـ حين تبدأ مرحلة إعادة الإعمار نحتاج إلى التكاتف والتعاون في أرقى صورهما، وهذا يتطلب تحييد الخلافات والتباينات العرقية والدينية والمذهبية وكل الحساسيات الاجتماعية والتاريخية ونعتمد في لجاننا وأنشطتنا ومشروعاتنا ثلاثة عناوين رئيسية هي الاحترافية والمصداقية والشفافية، وقد تمكن الائتلاف الوطني بحمد الله من أن يشكل في مدة قياسية وحدة للدعم الإنساني، نال تنظيمها وطرحها إعجاب الكثيرين من مندبي الدول في اجتماعات لندن والقاهرة ومراكش .

إن العالم لن يساعدنا بحماسة وسخاء إلا إذا نظمنا أمورنا على نحو رفيع وإلا إذا التزمنا أعلى المعايير العالمية في صرف المنح الدولية وتصميم آليات استخدامها وتوثيق كل خطوة من ذلك بأساليب معترف بها .

3ـ ينتظر الائتلاف الوطني والحكومة المؤقتة التي ينوي تشكيلها الكثير من العمل الشاق، وأعتقد أن أولى الألويات تتمثل في العمل على نحو سريع في (تكتيل) المجتمع السوري من أجل إعادة البناء وترميم ما أفسدته الحرب على المستوى الاجتماعي والعمراني والاقتصادي، فنحن على سبيل المثال في حاجة ماسة إلى :

– اتحاد للمنظمات والمؤسسات العاملة في مجال الإغاثة الطبية، وهي الآن تزيد على خمس عشرة منظمة .

– اتحاد للإعلاميين الأحرار، وهم بالمئات، وكثير منهم يعمل في صفحات الثورة والمواقع الالكترونية المساندة لها . إلى جانب المراسلين والعاملين في القنوات الفضائية الثائرة .

ـ اتحاد للمجموعات والمنظمات السورية العاملة في إغاثة الشعب الثوري في الداخل واللاجئين في الخارج .

ـ اتحاد يجمع كل المجموعات التي تقوم الآن بدراسات، وتضع خططاً من أجل إعادة الإعمار، وهي عديدة ومنتشرة في دول ومدن عدة .

ـ  مجلس للمصالحة الوطنية والحفاظ على السلم الأهلي، ويكون لهذا المجلس لجان في كل محافظة، والهدف من تشكيله هو تقوية النسيج الوطني والحيلولة دون وقوع أعمال ثأر وانتقام  بالإضافة إلى بذل جهود في إصلاح ذات البين ومساعدة المحاكم في عملها .

ـ اتحاد للمهتمين بتمويل المشروعات الصغيرة التي  يقل رأس مالها عن خمسة آلاف دولار تكون مهمته مساعدة الذين فقدوا متاجرهم وأعمالهم البسيطة على العودة إلى السوق وذلك من خلال تسويقها والتواصل مع المانحين .

هذا نموذج محدود لفكرة تكتيل المجتمع، وأعتقد أن هناك حاجة لبناء عشرات المجالس والاتحادات والروابط كي نشعر أننا نسير بخطى ثابتة على طريق إعادة الإعمار وتحريك عجلة الاقتصاد .

وعلى الله قصد السبيل .

 

د. عبد الكريم بكار

في 3/ 2/ 1434