إلى الثوار الأحرار

لا نستطيع أن نتحدث عن الثورة السورية والثوار الأحرار من غير الثناء على الله ـ تعالى ـ بما هيَأه لنا من عون في البدء بهذه الثورة والاستمرار فيها على الرغم من كل البطش والتنكيل والقتل الذي مارسه،ويمارسه النظام المجرم على نحو قلَّ نظيره في العالم الحديث ….
هذه الثورة مازالت في حاجة إلى المزيد من التضحيات حتى تؤتي ثمارها المرجوة، والمهم ـ كما هو معلوم ـ ليس أن نضحي فحسب،وإنما المهم أن نضحي بالطريقة الصحيحة الموصلة إلى الهدف .
وهذه بعض الملاحظات في هذا الشأن :
1.    هذه الثورة بدأت سلمية ويجب أن تحافظ على سلميتها وحمل السلام كان عبارة عن ضرورة لحماية الثورة، ويجب أن ننظر باستمرار إلى هذه الحيثية.
إن سلمية الثورة تتجلى في التظاهر والاحتجاج والعمل الإعلامي والإغاثي وفي العمل الدبلوماسي والسياسي،وهذه كلها موجودة بحمد الله،وقد ضربتم أروع الأمثلة في الوعي بهذه المسائل، فجزاكم الله عن الأمة خير الجزاء . قد نحتاج إلى الاستمرار في الاحتجاج سنوات حتى نقلع النظام المجرم من جذوره، ونتخلص من ذيوله وفروعه، لكن كلما ضعف النظام أكثر صار التظاهر و الاحتجاج أقل خطورة، وهذا سيكون قريباً جداً بحول الله.
2.    لاشيء يعبر عن تربية الإنسان وخلقه ووعيه مثل الكلمة التي يستخدمها، وكلي أمل أن يكون هناك تدقيق أكثر في الشعارات لتعبر عن رقي الثورة بدقة، كما آمل إسقاط شعارات اللعن والقذف، لأن المسلم ليس فاحشاً ولا لعاناً ولا طعاناً.
3.    الجيش الحر هو درع الثورة، وهي رأس حربتها، ونحن نحتاج إلى أن يقدم العنوان المعبر عن المرحلة القادمة حيث الرحمة والعدل والإنصاف وحفظ الحقوق ومراعاة المشاعر، وفي وصايا النبي صلى الله عليه وسلم ووصايا خلفائه الراشدين للجيوش الإسلامية ما يدل على ذلك بقوة ووضوح على ما هو معلوم ومشهور،ولعلي أشير في هذا السياق إلى الآتي :
أ ـ الشباب المجاهد يخاطرون بأرواحهم،ويعيشون حياة غاية في القسوة من أجل تحرير الوطن من الطغمة الفاسدة،ولهذا فإن عليهم الإخلاص لله ـ تعالى ـ وتحرير النية من الشوائب والالتزام التام بأحكام الإسلام وآدابه،وفي اعتقادي أن السواد الأعظم من شبابنا هم كذلك،ولكن الذكرى تنفع المؤمنين .                                 ب ـ الجيش الحر هو جيش ثائر متطوع أَبى الركون إلى الذل والسكوت على إبادة الشعب، وهو الآن يملك قوة متنامية ، وهي ترتب على من يملكها أن يكون مصدراً للأمن والأمان،ولهذا فإن من مسؤوليات الجيش الحر أن يرسل الكثير من رسائل الطمأنة للسكان ولأبناء الطوائف والأقليات على نحو خاص فجيش البلاد يحمي أعراض نسائها،كما يحمي أرواح المواطنين وأموالهم، مما يجعل وجوده دائماً مصدراً للشعور بالسكينة والثقة، وقد سمعنا الكثير من مديح المواطنين للجيش الحر،ونأمل أن يتطور كل شيء نحو الأحسن .
ج ـ المجاهدون يوثقون الكثير من أعمالهم البطولية ، وهذا مهم جداً لرفع معنويات الناس والحصول على مساندتهم، ولكن ينبغي عدم إظهار العورات في المقاطع المنشورة : عورات الأحياء والأموات من أي فريق، كما ينبغي عدم إظهار وجوه الأموات على نحو واضح، ومراعاة حرمة أجسادهم أثناء التصويرأو النقل بقطع النظرعما إذا كانوا من الثوار أو من عصابات الأسد، فقد يكون لبعض هؤلاء آباء وأمهات وأقرباء أخيار وصالحون ، ولا ينبغي إيذاؤهم في أبنائهم ، وهذا مهم للغاية فالإنسان الحر الكريم يراعي مشاعرالآخرين، ويراعي الحرمات.
د ـ الوفاء بالعهود للجنود المستسلمين والرفق بهم،حيث إن هناك من هو مُضلَّل ، ومن هو أُمي أو شبه أُمي، وهناك من لم يتيح له الدخول على (النت) أو الاستماع للقنوات التي تصور الحقيقة، وفيهم من يريد الانشقاق،وهو يخاف على أسرته، ولا يجد السبيل إلى ذلك ….
كل هذه الأمور يجب أخذها بعين الاعتبار،وإلا فقد يقع ظلم وجور على كثير من الناس، والله ـ تعالى ـ ينزل نصره على من يلتزم بالعدل ، ويتحرى الصواب .
هـ ـ هدفنا النهائي هو إقامة دولة الكرامة والحرية والعدالة،ولهذا فإن من المهم أن نحافظ على مؤسسات الدولة، وهي ـ كما نعرف ـ مملوكة للشعب، وسيكون في حاجة إليها بعد سقوط النظام، كما أن الحفاظ على وحدة تراب البلد ونسيجه الاجتماعي أمر ملح ومهم، وهذا يتطلب أن نسقط النظام يأقل قدر ممكن من العنف ومن الانقسام الاجتماعي .
و ـ حين يملك الإنسان السلاح، فإنه يشعر بقوة إضافية، كما يشعر بالزهو والتميز عن غيره،وهذا قد يدفعه إلى البغي،ولهذا فإن التعامل مع الأسرى والمستسلمين وغيرهم يجب أن يتم وفق القواعد الشرعية ووفق ما هو معروف من القوانين الدولية التي تحافظ على حقوق المدنيين  والعسكريين أثناء الحروب،وهذه نقطة مهمة للغاية، وذلك  تجنباً للمعصية وتجنباً لملاحقة المحاكم الدولية المعنية بجرائم الحرب .
ثورتنا منتصرة، وبالمزيد من الإخلاص والتضحية والتخطيط يصبح بزوغ الفجر قريباً بحول الله وطوله .

د. عبد الكريم بكار
في5/8/1433