الثورة السورية شجون وشؤون 1

استكملت الثورة السورية أمس شهرها الحادي عشر والنظام ماض في أوهامه في إخضاع الثوار وإطفاء لهيب الثورة المستعر مع أن العالم كله على قناعة تامة بأن من المستحيل لنظام يقصف شعبه بالمدافع ويعذب أطفاله …أن يستطيع الاستمرار في الحكم، لكن يبدو أن النظام يقوم مع حلفائه من الروس والإيرانيين بعملية (توريط) متبادلة، حلفاء النظام يغرونه بالبطش والقتل، وهو يسحبهم معه إلى القاع حيث الندم والإفلاس …

أما الثورة فإنها تزداد اشتعالاً، وعزائم الثوار تزاد صلابة وثباتاً، قد قدَّموا تضحيات هائلة ، ولن تهدأ النفوس حتى يسترجعوا ثمنها، ولن يكون ثمنها في الدنيا شيئا أقل من نصر مبين لا لبس فيه، وهم يشعرون أنهم لم يكونوا أقرب إلى ذلك في يوم من الأيام منهم اليوم.

إن الثورة المجيدة قد قدمت إلى الآن ما يقرب من عشرين ألفاً بين قتيل ومفقود، وهذه خسارة كبيرة لنا جميعا ولأهالي الضحايا خاصة، لكنني أشعر أن ملايين السوريين يولدون من جديد، فالنظام المستبد الظالم أفقر حياة السوريين إلى حد الإملاق، وقتل فيها كل المشاعر الوطنية ومشاعر التسامي نحو الغايات الكبرى، واستطاع خلال خمسين سنة من الدعايات والسياسات الفاشية أن يجعل حياة كثير من الناس في سوريا تدور حول شيئيين لا ثالث لهما: السلطة والمال، ولم يبق للناس هناك ملاذ (سوى الدين) بوصفه مصدراً لتغذية الروح وإنعاش القيم النبيلة. النظام لم يدمر حياة السوريين على صعيد الكرامة والمشاعر والقيم، وإنما دمرها أيضاً على صعيد الوعي والمعاصرة والتواصل مع العالم… اليوم نشاهد أعداداً هائلة من السوريين وقد تحرروا من الخوف من النظام ومن بعضهم بعضاً، واليوم نرى الصغار والكبار يكتشفون جوهرهم الإنساني ويعيدون تنظيم صفوفهم على أساس من الثقة بالنفس والتفاؤل والتطلع للمستقبل.

إن التاجر حين يوظف ماله في صفقة تجارية يكون الهم الأول له هو استرجاع رأس المال، وأنا أشعر أن الثورة السورية المجيدة قد أرجعت رأس المال بما أحيا الله بها من العقول والنفوس والقيم والمفاهيم ونحن ننتظر من الله تعالى أن يتم نعمته علينا بسقوط النظام وإقامة الدولة التي تليق بنا.

المطلوب من الثوار ومن الداعمين لهم ان يحافظوا على المسار الرئيسي للثورة فطول المد وتغير الظروف والمعطيات كثيرا ما يؤديان إلى فقد الاتجاه. واندراس الخطوط العريضة .

إن إسقاط النظام ليس هو الهدف النهائي للثورة وإنما هو تمهيد لإقامة الدولة التي تحفظ الحقوق والكرامات وتساعد على ازدهار البلد والنهوض به، ولهذا فإن مقاومة نزعة الغلو والانتقام والسيطرة على العنف والمحافظة على أكبر قدر ممكن من سلمية الثورة من الخطوط الأساسية التي لا يصح التفريط بها لأي سبب من الأسباب ..