علاَّقة المفاتيح

يقول أحد شباب حمص: اشتد القصف على منطقتنا، وصار الخروج من المنزل يعني وجود احتمال كبير للإصابة بصاروخ أو طلقة بندقية تأتي من هنا أوهناك، وبين أنا حائر في أمري، إذ بأحد الأصدقاء يسرع إليّ ويقول:
يجب أن تغادر الآن، واحمل معك ما تحتاج إليه ، لكنه أضاف إلى شعوري بالمرارة شعوراً أشد مرارة ، حين قال: ربما تعود ذات يوم ، ولا تجد المنزل، فالجنود في انتظار خروجنا ليدخلوا، ويسرقوه ولربما قصفوه، فاحمل معك شيئاً عزيزاً عليك، وتأسف لفقدانه .
في هذه اللحظة مرت على خيالي السنين العشرون التي سلختها من عمري في الكدح تحت الشمس في بناء البيت وفرشه، وهنا بادرني صديقي بالقول : ماذا حملت من بيتك ؟ مددت يدي على شيء واحد أخذته من بيتي فوجدته قد تبلل بدموعٍ لا أعرف مصدرها، كان ذلك الشيء (علاقة المفاتيح) التي كنت أضع فيها مفتاح المنزل، فسألني صاحبي وأين المفتاح ؟
قلت له : قد كسروا أعمار شبابنا وقلوب أمهاتنا، ولا أريد أن أمنحهم فرصة كسر باب منزلي ، فتركت المفتاح هناك على الباب !
هذه قصة واقعية، وليست رمزية قصة تلخص ما يتعرض له الناس في سورية، فعصابات النظام الأسدي لا تقتل الناس فقط ، وإنما تقتل وتعذب وتغتصب وتنهب وتدمر ، إنهم لا يريدون كسر إرادة الناس فقط وإنما يديرون إفقارهم وجعلهم في حيرة من أمرهم في كل شؤونهم .
وضع مأساوي تقصر العبارات عن وصفه، وتعجز آلات التصوير عن ملاحقته ! ومع هذا فأهل حمص العدية ومعهم كل الثوار الأحرار في طول الوطن وعرضه صابرون محتسبون واثقون بنصر قريب من السميع المجيب .
سيأتي اليوم الذي يرى فيه العالم ما تحمَّله السوريون من عسف وجور وعذاب وألم ، وستأتي أفراح الغلبة والتمكين من الرحمن الرحيم ، وستصبح الذكريات الأليمة مصدراً للاعتزاز، وسيضع صاحبنا مفتاح منزله في علاقة المفاتيح من جديد؛ والله غالب على أمره .
د. عبد الكريم بكار
26/3/1433