قُبعة الفقيه

يَحكون أنَّ فقهياً كان يمشي في أحد الطرقات ، وإذا بلصٍّ يمد يده ، ويخطف القُبعة التي كانت على رأسه ، ثم يُطلق ساقيه للريح ، فما كان من الفقيه إلا أن أخذ يجري خلف اللص ، وهو يقول : وهبتك ، قل قبلت ، وهبتُك قل قبلتُ … قد شعر الفقيه بأن من المؤكد أن الحاجة المُلَّحة هي التي دفعت ذلك الرجل إلى أن يرتكب جناية من أجل الحصول على شيء لا يكاد يساوي خمسة دراهم ، فَرقَّ قلبه له ، وأحب أن يُعلمه بأن له أن يمضي بالقبعة على أنها هدية أو هبة ، حتى يشعر براحة الضمير وهدوء الخاطر .

نحن اليوم في حاجة ماسَّة إلى طريقة تفكير ذلك الفقيه وإلى رِقَّة قلبه ونبل عواطفه … حيث إن كثيراً من الأخطاء والتجاوزات التي تقع هنا وهناك لا تصدر في الغالب من أشخاص شرِّيرين أو عدوانيين ، إنها تصدر من أشخاص يمرون بظروف حرجة ، وقاهرة تجعلهم يخضعون لضغوطاتها ، فيفقدون رشدهم وصوابهم ، وتصدر من أشخاص يمرون بلحظات ضعف أمام مغريات قوية ، وأشخاص أساؤوا الفهم ، فساء سلوكهم ، وساءت مواقفهم … وهكذا فإن المعرفة الكاملة صفح كامل . من السهل أن نتهم ، وأن نسيء الظن ، وأن نعاتب، ونعاقب، لكن من الصعب أن نتفهم دوافع السلوك السيِّئ والموقف الرديء ، ومن الصعب أن نعذر ، وأن نصفح ، ونواسي ، إن هذه الأمور تحتاج إلى شفافية ورقة وإبداع .

ما أجمل ونحن في بداية عام جديد أن نعقد العزم على أن نقبس من روح ذلك الفقيه وكرم ذاته حتى نرسِّخ في أعماقنا معاني العفو والتسامح والشفقة …

إننا حين نقع في خطأ شنيع نبحث بجدية ومثابرة عن أولئك الذين يلتمسون لنا الأعذار ، ويتفهمون تداعيات أخطائنا ، مما يوجب علينا أن نفعل ما كنا نرجو من الناس أن يفعلوه ، وينهضوا إليه .

التسامح هو القوة الناعمة التي تغري بموقف ذلك الفقيه ممن خطف قُبَّعته .

وإلى أن ألقاكم في رسالة قادمة

أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

وكل عام وأنتم بخير

محبكم د.عبد الكريم بكار

في 1/1/ 1432هـ