التهذيب كلام …

كلما تعلَّم الناس ، وذاقوا طعم الرفاهية أكثر انتظروا من بعضهم استخداماً لغوياً أرقى ولطفاً أعظم ، وهذا من سنن الله ـ تعالى ـ في الخلق ، ومع أن ( التهذيب ) صفة نفسية ألا أنه يظهر في حديثنا مع بعضنا بصورة جوهرية ؛ والعجيب في الأمر أننا حين نستخدم كلمات مهذَّبة نعبر عن سمو نفوسنا ، ونرسِّخ ذلك السموّ ، وننميه في آن واحد ، وهكذا فتعويد المرء لنفسه الكلام الجميل واللطيف ذو فائدة مزدوجة ، فهو يمتع غيره ، ويرتقي بنفسه ، وقد أمرنا ربنا ـ عز وجل ـ بالعناية بما نقول في قوله : (( وقولوا للناس حُسناً )) أي كلاماً ليناً لطيفاً يشعرهم بالكرامة ، ولا يجرح مشاعرهم على أي نحو من الأنحاء . وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أن المراد ب( الناس ) في الآية المسلم والكافر، وهذا هو الأليق لأن الإنسان المهذَّب لا يكون له لسانان ، واحد للمسلمين ، وآخر لغيرهم .

هناك أناس كثيرون نشأوا في بيئات تفتقر إلى التهذيب ، ولا تهتم بالتأنق اللغوي ، لكنهم جاهدوا أنفسهم في ذات الله ، وعوَّدوا ألسنتهم التلفظ بالألفاظ الجميلة التي تُدخل السرور على من يحدثونهم ، فصاروا منارة للهداية والتعليم في بيئاتهم ، ونفع الله بهم خلقاً كثيراً

شيء جميل أن نعوِّد أنفسنا استخدام الكثير من الألفاظ التي تدل على لطفنا ويقظتنا الشعورية والاهتمام بمن نحتكُّ بهم ،و ذلك من مثل : شكراً ، لطفاً ، عفواً ، معك حق ، لم أنتبه ، لك الفضل ، أنا آسف ، لم أتعمد الإساءة ، أنا جاهز لإصلاح خطئي …. هذه الألفاظ حين تشيع في المجتمع تغيِّر نكهة الحياة العامة ، وتحول دون استخدام العنف في التعامل والخشونة في الخطاب .

لا يظهر فضلنا عل نحو تام إلا إذا استخدمنا هذه الألفاظ مع الفئة التي نجد نوعاً من الغضاضة في استخدامها معها مثل الأطفال والخدم والعمال والفقراء … إنك إذا أردت للناس أن يحترموك ويحترموا أنفسهم ، ويتصرفوا على أنهم أشخاص محترمون ، فخاطبهم باحترام ، وتصدَّق على نفسك وعليهم بالملاطفة وعذب الكلام .

بدايات الحروب كلام ، وبدايات السلام كلام ، وإن للغة في حياتنا دوراً أكبر مما نعترف به في العادة ؛ والله ولينا .

أود أن أهنئ إخواني الكرام وأخواتي الكريمات بالعيد السعيد سائلاً الله ـ تعالى ـ أن يتقبل منكم ، ويزيدكم من فضله ، وكلَّ عام أنتم بخير

وإلى أن ألقاكم في رسالة قادمة أستودعكم الله

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته