شرف وفرصة

قلت لأحد جيراني في يوم من الأيام أراك تسارع إلى صلاة النافلة بعد الفريضة ، وكأنك لا تأتي بالأذكار الواردة ؟ فقال الرجل : أنا آتي بها ، لكن هل تريد مني أن أجوَّدها ؟!  وضحكت من جوابه وسرعة بديهته .

إن الواحد منا إذا زاره وزير أو وجيه ، أو اتصل به من خلال الهاتف يخبر بذلك كثيراً من معارفه ، لأنه يرى ذلك دليلاً على وجاهته وسمو قدره ، ولا شك أن لذلك دلالة خاصة ، لكن كيف ينبغي أن تكون الحال فيما لو ظفر المرء بمعية ورعاية خاصة من رب العالمين الذي مَلَك الرقاب ، وإليه المآل ؟!

روى الشيخان أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( يقول الله ـ عز وجل ـ : (( أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني وتحركت بي شفتاه )) و هذا يؤيد ما ورد من  أن الله ـ تعالى ـ أوحى إلى موسى : (( ..أما علمت أني جليس من ذكرني وحيثما التمسني عبدي وجدني ))

وقد ذم الله ـ تعالى ـ المنافقين ، ووصفهم بأنهم لا يذكرون الله إلا قليلاً .

أيها الإخوة والأخوات إنه لشرف ما بعده شرف أن يشعر المسلم أنه حين يذكر ربه  يكون في كنفه ورعايته وقد فاز بمجالسته ومناجاته ، ولا يصح لأحد أن يزهد في هذا الشرف ، أو يغفل عنه .

إن كل العبادات تستهدف تمتين صلة المسلم بخالقه ـ عز وجل ـ وإن الذكر يضمن ذلك ، فقد روى الترمذي أن رجلاً جاء إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال : إن شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ ، فأخبرني بشيء أتشبث به ، فقال له : (( لا يزال لسانك رطباً بذكر الله )) .

وقد قيل لأحدهم : أما تستوحش وحدك ؟ فقال : أو يستوحش مع الله أحد ؟! من لم تقرَّ عينه بالله ، فلا قرت عينه ، ومن لم يأنس بالله , فلا أنس ! .

إن الذكر عبارة عن كلام ، فهو لا يشغل الإنسان عن قيادة السيارة ، ولا عن حراثة الأرض ولا خياطة الثوب ، ومع هذا فإن فيه فرصة لا تتكرر لمضاعفة الحسنات ، وما أجمل ما روي من أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خرج من بيت زوجه جويرية ـ رضي الله عنها ـ بكرة حين صلى الصبح ، في مسجدها ـ أي موضع صلاتها ـ ثم رجع بعد أن أضحى ، وهي جالسة ، فقال : ما زلت على الحال التي فارقتك عليها ؟ قالت : نعم . قال : لقد قلت بعدك أربعَ كلمات ثلاثَ مرات لو وزِنت بما قلت منذ اليوم لوزنته : سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه و زنة عرشه ومداد كلماته .

هذه درر منثورة أمامنا ، ولا نحتاج إلى أكثر من أن نلتقطها ، ونمضي بها .

وإلى أن ألقاكم في رسالة قادمة أستودعكم الله

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محبكم د.عبد الكريم بكار

في 20/ 5/ 1431هـ