أرواح هشة

كنت في المدينة المنورة قبل أيام قليلة, وصلَّيت المغرب في مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم-  و كان في الصف الذي أمامي نحو من عشرة من الأطفال المنتسبين إلى إحدى حلقات تحفيظ القرآن الكريم, وقد كان مدرسهم في العقد السابع

من عمره , حيث أخذ على عاتقه جعلهم يقفون مستوين في صف الصلاة, وشرع الإمام في الصلاة وكبّر الأطفال تكبيرة الإحرام, لكن أستاذهم لم يفعل, فقد أدار ظهره إلى القبلة وجعل يأخذ بكتف فلان ويجذبه إليه, ويأخذ بكتف آخر ويدفعه إلى الخلف, ونظراً لانهماكه في ذلك فقد علَّق عكازه المعكوف في عنق أحد الطلاب ! ولما ركع الإمام دخل المدرس في الصلاة وركع معه, وهنا استغل الأطفال عدم تمكن أستاذهم من متابعتهم, فهاجوا وماجوا , وتدافعوا حتى كاد بعضهم يقع ذات اليمين وبعضهم ذات الشمال، وبعد انتهاء الصلاة حاول المعلم تحديد مصدر الشغب ، وكالعادة لم يفلح في ذلك, أروي لكم ما شاهدته أثناء الصلاة(لا تسألوا عن خشوعي في هذه الصلاة؟) !

أرواح الأطفال هشة ،وهي تنفر من كل الأعمال الحرفية والرتيبة, وإن مما لا نختلف فيه أن إقبال هذه الأعداد الضخمة من الأطفال على حفظ كتاب الله- تعالى- وتجويده يُعدُّ من معالم الصحوة الإسلامية الحديثة, كما أننا لا نختلف في أهمية دعم جهود جمعيات تحفيظ القرآن الكريم في أعمالها الجليلة , لكنني أيضاً أدعو تلك الجمعيات وكل المشتغلين بخدمة الكتاب العزيز إلى التأمل في الأساليب المتبعة في تعليم الصغار, حيث إن الضغط عليهم ليحفظوا المزيد ومعاملتهم بقسوة أو بحرفية مبالغ فيها… يقتل روح الحماسة لديهم, ويجعل تفاعلهم مع توجيهات معلميهم ضعيفاً, إني أدعوهم جميعاً إلى تقويم الآثار التربوية في نفوس الأطفال ومدى انعكاس المفاهيم والمعاني والمبادئ القرآنية على أخلاقهم وسلوكياتهم ،وذلك لأننا نعتقد أن الأطفال سينسون الكثير مما حفظوه وسيبقى ما نالوه من تهذيب وتربية هو الشيء الأساسي في حياتهم.

إن من المهم دراسة ذلك وتطوير أساليب التحفيظ والتوجيه المتبَّعة والعمل على زيادة التدريب التعليمي والتربوي لكل العاملين في هذا الحقل العظيم. إن الواقع هو أستاذ الجميع ،وفيه نقرأ ثمار كل جهودنا, وعلينا أن نتعلم منه الكثير الكثير, وإن علينا أن نرمق دائما المحصَّلات والنتاج, ونتفحَّص تحقق المقاصد.

 

وإلى أن ألقاكم في رسالة قادمة أستودعكم الله

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محبكم د.عبد الكريم بكار

في 2  / 4 / 1431هـ