استراحة قصيرة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة الكرام ، أيتها الأخوات الكريمات ، السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

أرجو أن تكونوا أنتم ومن تحبون على أحسن حال وبعد:

استراحة قصيرة

من الواضح أن الكوكب الذي نعيش عليه يشهد تغيرات هائلة، والعنوان العريض لهذه التغيرات يتمثل في استنزاف ما في باطن الأرض من خيرات، والعمل على تلويث التربة والماء والهواء ، إنه تخريب واسع النطاق ستدفع ثمنه غالياً الأجيال القادمة من الأبناء والأحفاد … السبب الجوهري هو العيش على هذه الأرض بأسلوب يبتعد كثيراً عن تعليمات الخالق ـ عز وجل ـ وذلك أن الأرض مجهزة على نحو رائع لأن نعيش فيها على أنها دار مؤقتة وعابرة

كما يفعل المسافر الذي يرتاح في استراحة على الطريق مدة ساعتين أو ثلاث ساعات، وهذا واضح في قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( مالي وللدنيا ، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ، ثم راح و تركها )) هذا يعني أن يأخذ كل واحد من الناس من هذه الدنيا ما يحتاج إليه فعلاً مع شيء من الرفاهية ونظرة مشدود دائماً إلى دار الخلود الأبدي حيث السرور والأمان والمتعة أشكال وألوان … لكن الذي يحدث الآن هو أن الاستراحة المجهزة لإقامة خمسة أشخاص مدة ساعتين صارت عبارة عن سكن دائم لعشرين شخصاً، فآذوها وأثقلوها وآذوا أنفسهم، وسيتركونها وهي في أسوأ أحوالها.

إن مافي الأرض من خيرات كافٍ لسد حاجات كل الناس لكنه ليس كافياً لتلبية رغبات رجل واحد، وهكذا فإسقاط الآخرة من الحساب لدى الكثيرين جعل شهيتهم تنفتح إلى الحد الأقصى على العبِّ من شهوات الدنيا، وهذا ما لا يمكن للأرض تحمله مدة طويلة. أنا لا أعجب للملحد حين يفعل ذلك لكنني أعجب لأسرة مسلمة تستهلك عشرة أضعاف ما تستهلكه أسرة غير مسلمة، وأعجب لامرأة ترجو الله واليوم الآخر تنفق على الحلي والثياب والشكليات أضعاف ما تنفقه امرأة تعتقد أن الدنيا هي دنياها وآخرتها معاً !!

الاحتباس الحراري والتلوث الواسع الذي يدمر البيئة الطبيعية اليوم هما من أعراض المرض الذي يجتاح البشرية، وذلك المرض يتمثل في الضلال عن الطريق القويم وفي الرؤية العمشاء لكل من الدنيا والآخرة، فهل آن الأوان لوقفة مراجعة صادقة على مستوى الحياة الشخصية لكل واحد منا؟

وإلى أن ألقاكم في رسالة قادمة أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محبكم د.عبد الكريم بكار

في 24 / 12 / 1430