حول التربية والتعليم

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله رب العالمين حمد الشاكرين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحابته  ومن سلك سبيلهم إلى يوم الدين .

وبعد :

فهذا هو الجزء الخامس والأخير من سلسلة ” المسلمون بين التحدي والمواجهة ” , وقد كان الجزء الأول بعنوان : ” نحو فهم أعمق للواقع الإسلامي ” ، وكا الجزء الثاني بعنوان : ” من أجل إنطلاقة حضارية شاملة ” ، وكان الجزء الثالث تحت عنوان : ” مقدمات للنهوض بالعمل الدعوي ” . أما الجزء الرابع فقد كان عنوانه : ” مدخل إلى التنمية المتكاملة ” .

وقد رأينا تخصيص هذا الجزء لمعالجة بعض قضايا التربية والتعليم ، وعرض بعض الأراء والخبرات حول مشكلاتهما الآسنة والمتنامية ، وذلك عبر رؤية إسلامية معاصرة . ونعتقد أننا بهذا نكون قد أتينا على ذكر جوانب عديدة من التحديات التي تواجه أمة الإسلام ، مع طرح بعض الحلول التي يمكن أن يعتمد عليها في تجاوز أزماتنا  والتقدم نحو الأمام .

ولست أزعم أنني قلت كل ما ينبغي أن يقال  فنحن في زمان صعب ، كثيرا ما يجعل ما يسكت عنه المرء أهم مما يقوله . ونحن نحاول أن نؤدي الرسالة  وننصح الأمة  ونرجو من الله – جل وعلا – أن يتجاوز عن قصورنا وتقصيرنا ؛ وسيظل الأمل معقودا عليه في تحسين الأحوال وتهيئة فرص الارتقاء لأمة الإسلام ؛ وهو أهل لكل فضل ، ومولى لكل إحسان .

إن لدينا الألوف من المجلدات التي تتناول مشكلات التربية والتعليم ؛ ولدى الأمم الأخرى أضعاف ذلك ؛ مما عقد البحث والتحليل والتجديد في كل قضية من قضايانا التربوية والتعليمية ؛ فالخطط التربوية المختلفة استنفدت كل إمكانات الحلول ، وأغرقت الساحة بالمقترحات المتنوعة ولكن المشكلات التربوية مع ذلك  في ازدياد ؛ مما دعا بعض الباحثين إلى تشبيه الخوض في قضايا التربية بالدخول إلى ( جحور الأفاعي ) !.

ومع كل هذا فإن علينا أن نستمر في البحث عن كل ما يمكن أن يساعدنا في الوصول إلى تربية أقوم ، وتعليم أفضل ؛ فمعرفتنا بطبيعة النفس البشرية تتحسن ، كما أن تجاربنا تزداد ثراء ، مما يجعل إمكانات تقديم رؤى أكثر في حالة من الاتساع الدائم .

إن قضايا التربية والتعليم هي قضايا أمة وعلى الأمة جميعها أن تحاول النهوض ، وحل مشكلاتها ؛ فنحن جميعا نتعرض في كل يوم إلى مواقف نتعلم فيها  ونعلم  ونربي ونتربى ، وهذا يفرض علينا أن نتابع بعض المعارف المتعلقة بذلك .

التقدم العقلي والروحي والخلقي ليس محدودا بأسوار تحول دون مضيه إلى مالا نهاية ، وهو منوط على نحو رئيسي بنوع التربية والتدريب الذي يمكن أن يتاح لنا ، على حين أن التقدم المادي كثيرا ما يعتمد على موارد محدودة غير قابلة للنمو ، بل إن كثيرا منها مهدد بالنفاد الكامل ؛ ولذا فإن مستقبل البشرية سيعتمد من الآن فصاعدا على نوعية ( الانسان ) الذي تعده المؤسسات التربوية ؛ مما يعني أنه لا بديل عن الاهتمام بها  وضرورة الإنفاق عليها بسخاء .

إن مما يزهد الناس بالاهتمام بالتربية وجود فجوات زمنية كبيرة بين الجهود التي تبذل فيها ، والثمار التي تجنى منها ؛ مما يولد نوعا من الترهل الذهني والشعوري لديهم ؛ ولا سيما عند الشعوب التي أصيبت بمرض ( الآنية ) ، وفقدت فضيلة الانتظار .

إنني أعتقد أن التربية التي تلقاها جيلنا لم تكن هي التربية الملائمة  بدليل الواقع الذي نعيشه اليوم ، وسيقول الابناء والاحفاد مثل قولنا إذا لم نسارع إلى تدبر أمورنا ، وإصلاح ما لدينا من خلل في تربيتنا وعلاقاتنا وسلوكنا .

إن كل من يبحث في المسائل التربوية يجد أمامه – كما هو الشأن في كل علم – الكثير من الأفكار والمفاهيم والتجارب المغرقة في ( الفنية ) مما يدخل نطاق اهتمامات الباحثين المختصين ، وهذا يجعلنا نتجه إلى عدم طرحها في كتاب ، يهدف إلى نوع من إشاعة الثقافة التربوية العامة ؛ لكن اعتقادنا بأن مؤسساتنا التربوية ، لا تستطيع القيام بوظيفتها على نحو فعال إلا من خلال دعم من جميع شرائح الأمة يحتم علينا التعرض لما خاص بغية إثارة اهتمام الجمهور به واطلاعهم على طرف منه ، ومع هذا فإن تقريب الفكرة والعبارة سيظل موضع عنايتي واهتمامي .

وقد جعلت عنوان الكتاب مرنا حتى يتيسر لي اختيار ما أراه ملحا ومهما من مسائل التربية والتعليم , وقد خصصت الصفحات الأولى منهذا الكتاب للحديث عن التربية ، ثم تحدثت عن التعليم وبعض شجونه في محاولة للسعي إلى نوع من الفصل بينهما ، مع أن ذلك غير ممكن حيث أن التعليم جزء من التربية .

وأسأل الله – جل وعلا – حسن القصد ، والمعونة في تحقيق ما أنتويه ، والتوفيق لما هو خير وأبقى .

 

 

 

قريبا …

سوف يتم وضع الأفكار والمقولات العامة